السياحة في الجزائر.. مشاريع واعدة للاستفادة من “ثروة نائمة”
وكتب المؤرخ الفرنسي، آرثر أزيراف، خلال زيارته إلى الجزائر، مؤخرا “ما لا تعرفه عن جمال الجزائر العاصمة هو أنها واحدة من أجمل مدن العالم، أعتقد أنني موضوعي جدا في هذا الأمر لأنني لست جزائريا، إنها أيضا واحدة من أقل الأماكن التي يزورها السياح”.
وحسب المهتمين بالقطاع، فإن كلام آرثر لم يأت من فراغ، فالجزائر تتوفر على 22 موقعا رومانيا منها 7 مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بالإضافة إلى شواطئ تمتد على مسافة 1644 كيلومترا.
ويؤكد رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية والمستشار السابق بوزارة السياحة، الكاتب سعيد بوخليفة، أن المقومات السياحية في الجزائر رهيبة، خاصة في الصحراء وفي منطقة التاسيلي والهقار.
وقال بوخليفة في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تكفي الإشارة إلى أن منظمة السياحة العالمية تصنف الجزائر في خانة أهم الوجهات السياحية عبر العالم، كما تصنفها المنظمة كثاني أهم وجهة سياحية في العالم للآثار الرومانية بعد إيطاليا”.
وبحسب منظمة اليونيسكو، فإن أجمل منظر لغروب شمس في العالم هو ذلك الذي نشاهده في قمة الأسكرام المتواجدة ضمن سلسلة من الجبال البركانية الراكدة في ولاية تمنراست.
وتشير الدراسات إلى أن رسوم الكهف الموجودة في الجنوب الجزائري تعد أقدم الرسوم في التاريخ، وهي تعود لفترة الإنسان الحجري، وعمرها يصل إلى 9 آلاف عام قبل الميلاد.
كل هذه الأمور أقنعت جمعية الرحالة البريطانية لتصنيف الجزائر على رأس قائمة أفضل وجهات السفر للمغامرة عبر العالم.
ويقول الرحالة البريطاني الشهير آدم لسوبر إنه سافر إلى أكثر من 90 دولة “ولم أر أبدا مدينة أجمل من مدينة قسنطينة الجزائرية”، متوقعا أن تكون الجزائر “وجهة للمسافرين الأجانب في السنوات القادمة”.
ورغم كل هذا الثراء إلا أن وضع السياحة في الجزائر يبدو هشا، مقابل بعض المحاولات الفردية والتي يقودها المجتمع المدني للترويج السياحي.
ويعزو الناشط المدني، خالد بباسي، وهو عضو “جمعية القصبة”، تخلّف السياحة في البلاد، إلى غياب الإرادة السياسية الماضية، مضيفا في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه منذ الاستقلال لم تكن هناك إرادة سياسية بالمعنى الحقيقي للحفاظ على التراث واستغلاله في الترويج السياحي.
وأضاف بباسي: “تسبب الإهمال في انهيار العديد من المعالم الأثرية، خاصة في حي القصبة الذي يعد أحد أهم المدن التاريخية، ويعود تاريخها إلى عام 1516، وقد وصنفتها اليونيسكو ضمن التراث العالمي”.
سلمية الحراك تصحح النظرة
عانى قطاع السياحة لأكثر من أربع عقود من الزمن، بينما عانت الجزائر خلال تلك الفترة من نظرة الإعلام الدولي، فلم تكن تمثل لهم سوى البلد غير الآمن خاصة في تسعينيات القرن الماضي، حيث خلفت الحرب الأهلية ما يزيد عن 200 ألف قتيل، وتم تدمير البنية التحتية وأغلقت قاعات السينما والمسارح والحدود.
كذلك اختفت مظاهر السياحة الأجنبية في الجزائر بعدما شهدت انتعاشا كبيرا في السبعينيات بفضل ميثاق عام 1966 الذي عرّف العالم بجمال البلاد، كما أشار الكاتب بوخليفة إلى أن تلك الفترة عرفت فتح خمسة مكاتب سياحية لها عبر العالم في (لندن وفرانكفورت وبروكسل وستكهولم وباريس)، وقامت الجزائر بإنشاء ثلاث مراكز للتدريب في مجال السياحة.
والمفارقة حسب ما أكده صاحب كتاب “مذكرات سياحية جزائرية 1962-2018” أن الجزائر قررت التخلي عن السياحة عقب تراجع أسعار النفط بسبب الأزمة العالمية خلال الثمانينيات، وحينها اختارت الجزائر التركيز على السياحة المحلية في إطار ما اصطلح عليه السياحة العائلية والاجتماعية، وأرجع الباحث الأمر إلى وجود تيار محافظ في الدولة يتبنى فكرة الحفاظ على العادات والتقاليد الجزائرية.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون أعلن، مؤخرا، أنه سيعمل على تطوير السياحة عبر دعم مكانة الوكالات السياحية وتصنيف المناطق السياحية في الجزائر وخلق رحلات جوية بأثمان تنافسية وتخفيف إجراءات الحصول على التأشيرة السياحية بالنسبة للعرب والأجانب.
وتأتي هذه الإستراتيجية الجديدة في ظروف أمنية مختلفة تعرفها البلاد، بعدما عاد السلم والأمن بفضل مشروعي الوئام والمصالحة الوطنية الذي تبنتهما الجزائر في بداية القرن الحادي والعشرين، كما ساهم حراك 22 فبراير العام الماضي في نقل صورة استثنائية عن الجزائر، بفضل السلمية التي عرفتها المسيرات الشعبية، رغم امتدادها على مدار أكثر من عام.
تخفيف العراقيل
ويعاني قطاع السياحة في الجزائر من عراقيل كثيرة، وتلخصها المستثمرة الجزائرية الشابة أمينة حاج جيلالي، 22 سنة، وهي صاحبة وكالة للسياحة، في مشاكل ترى أنها كفيلة بأن تعصف بالنهضة السياحية لأي بلد.
وتوضح أمينة لموقع “سكاي نيوز عربية” قائلة: “في الجزائر من الصعب الحصول على تأشيرة للدخول، فالنظام بيروقراطي وهذا ما يدفع أي سائح بلا شك إلى عدم التفكير في زيارة البلد، حتى ولو قدمت الوكالات السياحية عروضا مغرية، لتجاوز عقبة الأسعار المرتفعة للحجوزات التي تطغى على المشهد”.
ووفقا للمخطط الحكومي، فالجزائر تهدف لاستقطاب 5 ملايين سائح سنويا، خاصة من الصين وكندا والولايات المتحدة بحلول عام 2025، باعتماد نظام التأشيرة الإلكترونية وهو الإجراء الذي بدأته الدولة رسميا من خلال تحديث القوانين وآليات العمل بمطار الجزائر الدولي.
وبالكاد يقوم أكبر بلد في أفريقيا مساحة، بالتسويق إعلاميا لكنوزه السياحية، وهو ما يعكسه حال موقع وزارة السياحة والصناعات التقليدية وزارة السياحة والصناعات التقليدية والعمل العائلي، الذي يبدو متواضعا جدا مقارنة بأهمية القطاع.
كما لم تخرج جميع جهود الترويج السياحي من خانة المبادرات، ومنها مشروع الفيلم الوثائقي “الجزائر من علٍ” الذي صوره كل من المخرج الفرنسي بان أرثوس برتراند والجزائري يزيد تيزي، بمبادرة من وزارة الثقافة الجزائرية عام 2015، حيث حاولا خلاله نقل سحر الطبيعة الجزائرية للعالم.
استثمارات واعدة في الأفق
ويوجد على طاولة الحكومة عدة ملفات يتطلع أصحابها أن تقوم الدولة بالإسراع في تذليل العراقيل أمامها، ومن أبرزها ما أعلنه أحد مستثمري القطاع الخاص في الجزائر، والذي أشار إلى مخطط لتحويل منطقة زموري الساحلية بولاية بومرداس إلى قطب سياحي عالمي بميزانية 9 مليارات دولار بالشراكة مع مستثمرين من تركيا وهولندا وبوندا.
ويهدف المشروع حسب الدراسة لتوفير 30 ألف منصب شغل مباشر، وأكثر من نصف مليون منصف شغل غير مباشر بمداخيل متوقعة تتجاوز 32 مليار يورو في السنة وبأرباح تصل إلى 5 مليار يورو.
وتزداد أهمية التوجه إلى السياحية بالنظر إلى تراجع معدل الاحتياطيات الأجنبية للجزائر بمقدار 10.6 مليار دولار في الأشهر التسعة الماضية، وقد وصل الآن إلى 62 مليار دولار.
وفي الوقت الحالي، يبلغ متوسط عائدات الجزائر من قطاع السياحة 207 مليون دولار فقط، وتأمل البلاد في مضاعفة الرقم بنسبة 4.5 في المئة في إطار المخطط الخماسي.
ورغم حالة التفاؤل، يبدو الخبير الاقتصادي محمد حميدوش متشائما، ولا يرى أي بصيص أمل في الأفق، مشيرا إلى أن خطاب الدولة سياسي وليس أكثر من ذر للرماد في العيون، حيث قال لـموقع “سكاي نيوز عربية”: “يجب تحرير القطاع من سيطرة الدولة في التسيير وتركه للقطاع الخاص”، موضحا أن إصلاح القطاع arabtopforex.com بوجود بنوك متخصصة.
وبالنظر إلى الأرقام السابقة، فإن الخبراء يصنفون القطاع في خانة أكثر القطاعات تخلفا في البلاد، وإلى حين أن تتغير الأمور يواصل المستثمرون الرهان على السياحة الداخلية والمحلية، التي تبقى عاجزة على إقناع أكثر من 3 مليون جزائري يشدون الرحال كل عام إلى تونس بحثا عن خدمات سياحية أفضل.