معاناة الدول المنتجة للبترول تقدم لمحة عن الألم الذى ينتظرها فى المستقبل
%50 انخفاضا فى عائدات مجموعة «أوبك» العام الحالى
من بغداد والجزائر إلى كاراكاس، تمر العديد من عواصم البترول فى العالم بصيف يتسم بالسخط، وقد يكون ذلك بمثابة لمحة عن المستقبل.
وقد شهد العراق احتجاجات فادحة بعد انهيار شبكات الكهرباء فى ظل الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة، فى حين انخفض إنتاج فنزويلا من البترول إلى أدنى مستوى له فى 75 عاما، كما تتصاعد التوترات فى العاصمة الجزائرية،إذ تثير مصاعب الإغلاق الناتج عن تفشى جائحة كورونا، مخاطر تجدد المظاهرات وأعمال الشغب.
وأعادت منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» إنعاش سوق البترول بعد أن وصل إلى أدنى مستوياته على مدار التاريخ، لكن الأسعار التى تقترب من 40 دولارا للبرميل، لا تزال منخفضة للغاية بالنسبة لمعظم الأعضاء الذين يتصارعون مع اقتصادات ضعيفة وحكومات غير مستقرة وشباب مضطرب وأضرار ناتجة عن التغيرات المناخية.
وأشارت وكالة أنباء «بلومبرج»، إلى وجود عواقب وخيمة تماما على الطريقة التى تدار بها الدول الغنية بالبترول، نظرا لأن إرث الوباء والتحول إلى طاقة أنظف يهددان بإبقاء أسعار البترول الخام منخفضة لفترة أطول. فقد انخفضت عائدات مجموعة «أوبك» بنحو %50 عن العام الماضى، واحتلت الاضطرابات المالية طويلة الأمد بالنسبة للأعضاء مركز الصدارة.
وقالت رئيسة الاستراتيجية العالمية للسلع فى «آر بى سى كابيتال ماركتس»، هيليما كروفت، إن الدول الست المهتزة فى أوبك (الجزائر وإيران والعراق وليبيا ونيجيريا وفنزويلا) تواجه آفاق سياسية واقتصادية محفوفة بالمخاطر.
وتسعى أنجولا المعتمدة على البترول، إلى زيادة قرض صندوق النقد الدولى البالغ 3.7 مليار دولار بمقدار 800 مليون دولار، وخفضت الدولة ونيجيريا قيمة عملتيهما المحلية نظرا لتسبب نقص النقد الأجنبى فى إلحاق الضرر بالأعمال التجارية المحلية. كما توصلت كل من إيران – التى تضررت من الصدمات المزدوجة للعقوبات الأمريكية وتفشى الوباء- ودولة العراق المجاورة أيضا، إلى اللجوء لصندوق النقد الدولى.
حتى السعودية لا تعتبر فى مأمن، إذ نفذت عددا كبيرا من إجراءات التقشف فى الربع الأخير، فى حين كانت تكافح مع تضاعف عجز موازنتها بمقدار ثلاث مرات إلى 109.2 مليار ريال «أى 29 مليار دولار أمريكى».
وظهرت التوترات منذ فترة من الوقت. ففى العام الماضى، ساهمت الثورات الشعبية فى إجبار رئيس الوزراء العراقى عادل عبد المهدى على الاستقالة. كما أنهت 20 عاما من حكم الرئيس الجزائرى السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وقد تحولت الآفاق بالنسبة للدول التى تعتمد على البترول بشكل كبير عما كانت عليه قبل عقد من الزمن فقط، إذ كانت أسعار البترول تقترب من 100 دولار للبرميل آنذاك. وكان المستهلكون قلقين بشأن نفاد الإمدادات.
أما الآن أصبحت «أوبك» بحاجة متزايدة لوضع احتمالية ذروة الطلب فى الحسبان، عندما يبدأ الاستهلاك فى الانخفاض مع زيادة شعبية طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة، تتوقع وصول قطاع البترول لنقطة التحول هذه بعد حوالى عقد من الزمن، أما الآن فيمكن لـ”كوفيد-19 « أن يحقق ذلك فى وقت أقرب.
وفى مايو الماضى، قال رئيس شركة «بريتش بتروليوم»، برنارد لونى، إن العمل عن بعد قد يحد من الحاجة إلى وقود النقل ويسرع عملية التحول بعيدا عن المواد الهيدروكربونية، مضيفا: «بعد أن استهلكنا حوالى 100 مليون برميل من البترول يوميا العام الماضى، ربما لا يعود تعطش العالم الشديد للبترول مرة أخرى».
وقالت المدير الإدارى لمختبر سياسة المناخ فى كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، إيمى مايرز جافى، إن الوباء سيؤدى إلى تسريع العديد من التكنولوجيات والسلوكيات التى كانت ستحدث بأى حال، لكن التداعيات قد تكون خطيرة بالنسبة للحكومات التى تعتمد على مبيعات البترول.
ومع ذلك، من المرجح أن يظل البترول مصدرا رئيسيا للطاقة لسنوات قادمة، إذ يعتبر توقيت ذروة الطلب محل خلاف على نطاق واسع، فالبعض يتوقع عدم احتمالية حدوث ذلك خلال العقدين المقبلين على الأقل، خصوصا أن عملية استبدال البترول ستحتاج إلى إنفاق بمقدار مليارات الدولارات لتحويل طريقة عمل السيارات إلى الطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة.
ويستخدم بعض المصدرين تراجع أسعار البترول كسبيل لتنويع اقتصاداتهم، فعلى سبيل المثال تسعى السعودية إلى الإصلاح من خلال تبنى برنامج «رؤية 2030» الذى يسعى إلى تطوير قطاعات أخرى مثل السياحة والتكنولوجيا، لكن الخطة اُحبطت بخفض الإنفاق والصراع لجذب الاستثمار الأجنبى.
وبالنسبة لدول مثل العراق ونيجيريا وفنزويلا، التى تفتقر إلى الإمكانيات المالية العميقة للسعودية، فربما يصعب التغلب على التحديات التى تواجه عمليات الإصلاح.
وربما يكون السعوديون راضين عن استمرار انخفاض أسعار البترول لفترة أطول قليلا، فى ظل إدراكهم التام أن أى ارتفاع آخر فى الأسعار لن يؤدى إلا إلى إنعاش وضع المنافسين، مثل صناعة البترول الصخرى فى الولايات المتحدة، التى ضغطت على السعودية بشدة خلال العقد الماضى بفيضان من البترول الخام، ويمكن أن تفعل ذلك مرة أخرى.
وتراجعت أعمال الحفر الأمريكية بسبب الأزمة الأخيرة، كما تعمل شركات كبرى أخرى، بما فى ذلك «إكسون موبيل»، على خفض حجم استثماراتها، مما يهدد بخلق فجوة فى الإمداد فى غضون سنوات قليلة قد تحتاج أوبك إلى سدها.