ماذا يحدث إذا تحررت مدخرات الأسر الصينية وخرجت للعالم؟
ربما يتمكن المواطنون الصينيون قريباً من فعل شىء مختلف بمبلغ الـ50 ألف دولار المسموح لهم بأخذها خارج البلاد سنوياً، مثل استثمارها.
ففى فبراير، قال يى هايشانج، مسئول صينى فى إدارة الدولة للنقد الأجنبى، إنَّ الحكومة تبحث فيما إذا كان المخصص، الذى لم يتغير منذ عام 2007 ولا يتطلب موافقات محددة ويتم إنفاقه بشكل أساسى على السفر والتعليم، يمكن أن يستخدم فى شراء السندات المالية والتأمين فى الخارج. حتى مع صعودها كقوة اقتصادية، واحتفظت الصين بضوابط صارمة على رأس المال للحفاظ على معظم ثروات الأسر الهائلة داخل حدودها وتعكس السيطرة التى يواصل الحزب الشيوعى الحاكم فرضها على البلاد.
وثمة علامات أكثر من أى وقت مضى خلال عام 2021 على أن القبضة على المدخرات آخذة بالتلاشى. وبالإضافة إلى تغيير محتمل فى المخصص، وافقت الحكومة فى يونيو على تدفق مبالغ قياسية من الأموال إلى خارج البلاد من خلال حصة استثمارية رسمية. كما أنها على وشك إطلاق برنامج مع هونج كونج يسمى «ويلث كونيكت» (Wealth Connect)، وسيسمح للأسر فى جنوب الصين بالاستثمار خارج البلاد.
ويقول تيرى بان، الرئيس التنفيذى للصين الكبرى فى شركة «إنفيسكو» المؤهلة لإدارة الأموال عبر البرنامج: «هذا وقت مهم للغاية بالنسبة لنا جميعاً. التحرر يحدث أمام أعيننا».
ورغم أن التدفقات الخارجة لإدارة الأصول فى الصين لا تزال صغيرة، فإنها جزء من تحول عميق يلمح إلى التوسع المستقبلى، فالنظام المالى الأوسع فى البلاد آخذ بالانفتاح، ما يغرى أكبر البنوك ومديرى الأصول فى العالم. ويقدر بنك «إتش. إس. بى. سى»، أحد أكثر المشاركين نشاطاً، أن الأسر الصينية ستمتلك 300 تريليون رنمينبى «أى 46.3 تريليون دولار» من الأصول القابلة للاستثمار بحلول عام 2025، وهو مبلغ يعادل سوق السندات الأمريكية بالكامل.
وأشار «إتش. إس. بى. سى»، فى مايو الماضى، إلى أنه «مع توافر مزيد من قنوات الاستثمار الصادرة، فإنَّ لدى الأسر خيارات حقيقية للتنويع فى الأوراق المالية الخارجية».
فى الماضى، تم تعليق مخططات المغادرة فى أوقات تقلبات السوق، بينما أثبتت مشاريع أخرى أنها آمال زائفة، ما زاد من الشعور بأنه من غير المرجح حالياً أن تخفف الصين ضوابطها على رأس المال، إلا بمستويات هامشية.
ومع ذلك، فإن المنطق الاقتصادى المتمثل بالاحتفاظ بمدخرات عديدة فى مكان واحد قد تعرض لمزيد من التدقيق قى وقت تعزز فيه الرنمينبى بشكل ملحوظ وتجاوزت سوق الأسهم فى فبراير ذروتها لعام 2007.
كما أصبح صناع السياسات أكثر صراحة، محذرين من ارتفاع أسعار الأصول، خاصة داخل قطاع العقارات فى البلاد؛ حيث يستمر كثير من ثروات الأسر فى السعى وراء العوائد، وفقاً لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية. إذا سمح فجأة بالسعى وراء العوائد على مستوى العالم، فقد يكون لهذا الأمر عواقب فوضوية من المنظور الصينى والغربى، حيث سيكون لمدخرات البلاد القدرة على إغراق بعض الأسواق الدولية- إذا ما استثمرت نسبة 10% فقط من مدخرات الأسر الـ50 ألف دولار بالخارج، ووفقاً لحسابات بنك «إتش. إس. بى. سى»، فإن ذلك قد يصل إلى 2.4 تريليون دولار.
ويوضح مايكل إيفرى، استراتيجى السوق العالمى فى «رابوبنك»، أن الفتح العميق لحساب رأس المال كان «مستبعداً للغاية من الناحية الهيكلية» لأنه كان سيؤدى إلى انهيار أسعار الأصول داخل الصين، بما فى ذلك قيمة عملتها.
لكن التحولات فى سياسة الصين قد تكون تدريجية بشكل غير محسوس. فمثلما كان لدخول البلاد فى منظمة التجارة العالمية منذ عقدين صدى فى جميع أركان الاقتصاد العالمى، فإنَّ الاحتمال الضئيل لتحرير حساب رأس المال يثير أسئلة ملحة بالنسبة للنظام المالى بأكمله. وهذه الأسئلة مفادها: هل سيتم إطلاق العنان للمدخرات الصينية فى العالم، وماذا سيحدث لو تم ذلك فعلاً؟
الاستثمار غير المباشر
فى عام 2016، حظر بنك الشعب الصينى استخدام ما يسمى ببطاقات الائتمان «نائية العملة» التى تسمح للأشخاص فى الصين بإجراء عمليات شراء أجنبية من خلال شبكتى «فيزا» و«ماستركارد». كما تم منع استخدام «يونيونباى»، المزود الرئيسى لبطاقات الائتمان بالبلاد، فى شراء التأمين فى هونج كونج. جاء الحظر بعد أن بدأ مواطنو البر الرئيسى فى إصدار وثائق التأمين على الحياة فى هونج كونج الarabtopforex.comة بسياسات الادخار.
ويقول ستيوارت ألدكروفت، رئيس قسم آسيا فى «سيتى ترست»، ذراع «سيتى بنك»، إنه «فى ذلك الوقت، كان يمكنك استخدام بطاقة ائتمان من البر الرئيسى لدفع ثمن أى شىء فى هونج كونج. استيقظ المنظمون فجأة وكان عليهم فعل شىء ما حيال الأمر».
تشتهر هونج كونج بدورها فى التدفقات غير المشروعة للأموال من البر الرئيس للصين، بدءاً من أكياس النقود إلى التلاعب بأرقام الفواتير التجارية، لكن الإقليم الذى شهد اضطرابات سياسية غير عادية فى العامين الماضيين يقدم الآن مجموعة أكبر من الأساليب المشروعة لاستثمار الأموال خارج البر الصينى.
حتى الآن، وضع برنامج «ويلث كونيكت»، الذى يتوقع إطلاقه هذا العام، ليكون المعلم الأكثر رمزية فى تعزيز دور هونج كونج كبوابة للأسواق الدولية، وسيسمح للأسر فى تسع مدن صينية بمنطقة الخليج الكبرى التى يقطنها نحو 70 مليون شخص، باستثمار مليون رنمينبى (154 ألف دولار) فى صناديق منخفضة ومتوسطة الخطورة فى هونج كونج. كما أنه من المفترض أن يمنحهم إمكانية الوصول إلى الأسواق فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى. ويمكن للمستثمرين فى الخارج شراء منتجات البر الرئيسى من خلال البرنامج.
ويوضح إيدى يو، رئيس السلطة النقدية فى المدينة، أن البرنامج «يدعم الأهمية الاستراتيجية لهونج كونج فى فتح البر الرئيس لأسواقه المالية».
ومع ذلك، يمثل البرنامج نهجاً حذراً من بكين ينطبق على طرق أخرى للاستثمار فى الخارج بشكل قانونى. وبشكل حاسم، يعمل وفقاً لحلقة عملة مغلقة، ما يعنى أنه يتعين على المستثمرين فى البلاد تحويل العائدات مرة أخرى إلى الرنمينبى عند مبادلتها.
ويبلغ إجمالى التدفقات فى كل اتجاه 150 مليار رنمينبى «أى 23.1 مليار دولار»، وهو ما يشكل جزءاً ضئيلاً من ثروة الأسر. بالنسبة للبنوك الدولية، يعد برنامج «ويلث كونيكت» جزءاً واحداً فقط من فرصة الادخار فى الصين، التى ستتم إدارة معظمها داخل الدولة نفسها.
وفى فبراير، أعلن «إتش. إس. بى. سى» أنه سينفق 3.5 مليار دولار خلال الخمسة أعوام المقبلة لتطوير ثروته العالمية وعملياته المصرفية الشخصية فى آسيا التى تمثل بالفعل ثلثى أعمال ثروته العالمية. كما وضع «سيتى بنك» و«ستاندرد تشارترد» خططاً مشابهة تستهدف مضاعفة عدد موظفى إدارة الثروات والدخل فى البر الرئيس الصينى وهونج كونج فى الخمسة أعوام المقبلة.
رغم الحماس المثار حول البرنامج، تقدر بيانات «بلومبيرج إنتيلجينس» أن إجمالى الرسوم السنوية التى تتقاسمها البنوك العاملة فى إطار البرنامج سيكون أقل من 500 مليون دولار على الأرجح بسبب الحد الأقصى الأولي.
الرغبة فى الاستثمار
فى يونيو الماضى، زادت الحكومة الصينية الحصة الإجمالية لبرنامج يسمح للشركات بالاستثمار فى الخارج نيابة عن عملائها، ومعظمهم من مستثمرى التجزئة، ليصل إلى 147 مليار دولار.
كانت الزيادة الإضافية البالغة 10 مليارات دولار أكبر زيادة فى تاريخ برنامج المستثمر المؤسسى المحلى المؤهل الذى يمتد لـ14 عاماً. ومثل برنامج «ويلث كونيكت»، فإنه يجبر المستثمرين على المبادلة بالرنمينبى، ما يعنى أنه ليس له فائدة واضحة فى الوقت الحالى لأولئك الذين يرغبون فى الإنفاق، بدلاً من الاستثمار، فى الخارج.
ويرى المحللون أن هذه الخطوة كانت جزئياً استجابة لقوة الرنمينبى لكنها ألمحت إلى أهميتها فى الجدل حول مستقبل حساب رأس المال فى الصين، الذى لا يتعلق فقط بمدخرات الأسر، لكن بالنشاط الخارجى من الشركات والقطاع المالى فى البلاد والحكومة نفسها.
فقاعة أسعار الأصول
أصبحت التعبيرات الرسمية عن القلق بشأن تضخم أسعار الأصول المحلية أكثر تكراراً هذا العام. وفى مارس الماضى، حذر أكبر منظم مصرفى فى الصين السياسى جو شيجينج من الفقاعات داخل قطاع العقارات بالبلاد، وقد تحركت الحكومة لكبح النفوذ عبر أكبر مطورى العقارات، لكن أسعار العقارات استمرت فى الارتفاع.
فى حين أن هذه العوامل قد تشجع فى ظاهرها التدفقات الخارجة لتخفيف الضغط على الأسعار، فإنها قد تثنى أيضاً عن فتح بوابات الفيضان.
على المدى الطويل، لن يتم تحرير حساب رأس المال بالكامل إلا عند حل كل مواطن الضعف الهيكلية المحلية، كما أن مستويات ديون الشركات المرتفعة تعد المشكلة الأكبر.
فى مارس، لم يحذر شيجينج من العقارات المحلية فحسب، بل أيضاً من الفقاعات فى الأسواق الخارجية نفسها حيث سيكون المدخرون الصينيون أكثر نشاطاً.
ومع ذلك، فإن موقف الصين غير معتاد للغاية، وعلى الأرجح سيصبح أكثر كذلك مع توسع الطبقة الوسطى. ويقدر «إتش. إس. بى. سى» تعداد عملائه سيتجاوز حاجز الـ500 مليون شخص قريباً.
ومن هذا المنطلق، ذكر كتاب صندوق النقد الدولى أن «من الصعب تخيل واحدة من أكبر الاقتصادات والدول التجارية فى العالم تحافظ على ضوابط صارمة على تدفقات رأس المال إلى أجل غير مسمى حيث يصبح اقتصاد الدخل المتوسط الأعلى».