كيف تستهدف الصين شركات التكنولوجيا الكبرى
فى بداية العام، أثار الموظفون فى شركة «على بابا» العديد من الأسئلة، إذ بدأ مسئولو مكافحة الاحتكار فى الصين التحقيق بشكل رسمى مع عملاق التجارة الإلكترونى.
لكن المسئولين التنفيذيين فى الشركة لم يكن لديهم إجابات للعديد من الأسئلة، خصوصاً أن صناعة التكنولوجيا فى الصين لم تشهد على الإطلاق تطبيقاً جاداً لقوانين المنافسة فى البلاد.
وقال الموظفون إن الجهات التنظيمية أجرت مقابلات معهم وحصلوا على نسخة من سجلات الدردشة المتواجدة على منصة الاتصالات الداخلية لشركة «على بابا». فقد كان لدى المسؤولين سلطة الحصول على أى بيانات يرغبون فيها، حتى أن الأمر يمتد إلى المداهمات المفاجئة التى من شأنها إيقاف أى عمليات.
ومع بدء التحقيق، أخبر المسئولون التنفيذيون الموظفين أنهم درسوا قضايا مكافحة الاحتكار فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة لإعداد أنفسهم.
وتسبب النشاط المفاجئ لإدارة الدولة لتنظيم السوق فى الصين فى اهتزاز قطاع التكنولوجيا، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وانخفضت أسهم «على بابا» بنحو %18 منذ أن خضعت للتحقيق فى شهر ديسمبر، ولم ترتفع بشكل كبير حتى بعد أن أنهت الجهات التنظيمية قضيتهم الأولية بفرض غرامة قدرها 2.8 مليار دولار.
كما تراجعت أسهم شركة توصيل الطعام «ميتوان» بنحو %5 منذ أن أصبحت الهدف الثانى للتحقيق الرسمى من قبل الجهات التنظيمية فى نهاية أبريل.
فى الوقت ذاته، طُلب من أكثر من 30 شركة تقنية أخرى، الخضوع لـ «التصحيح الذاتى» وتقديم المعلومات إلى هيئة إدارة الدولة لتنظيم السوق فى الصين. وكانت شركة «ديدى شوكينغ» خدمات النقل واحدة من تلك الشركات، وهو ما آثار حالة من عدم اليقين قبل الاكتتاب العام المخطط له فى الولايات المتحدة.
تقول ديزى كاى، رئيس مكتب بكين لشركة رأس المال الاستثمارى «بى كابيتال»، إن سرعة التحول هى التى أشعرت الجميع بالمفاجأة، فالجهات التنظيمية فى الصين بإمكانها التحرك بسرعة كبيرة.
وأوضحت كاى، أن الصين تحاول فى الواقع اللحاق بالمعايير التنظيمية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
الغضب العام يقود القضايا
قال المحامون والمطلعون فى مجال التكنولوجيا إن موجة نشاط مكافحة الاحتكار جاءت بشكل جزئى كاستجابة للغضب العام الناتج عن القوة الهائلة لبعض شركات التكنولوجيا، مثل منصات البقالة عبر الإنترنت وشركات توصيل الطعام، التى أصبحت مرافق أساسية خلال فترة فتشى الوباء، لكنها لم تشارك العائدات مع سائقى التوصيل المنهكين.
يبدو أن هدف بكين أيضاً هو كبح جماح المليارديرات البارزين فى مجال التكنولوجيا، مثل جاك ما، وإعادة تركيز الشركات على خدمة المجتمع وطموحات الحكومة.
كما أنها تريد أيضاً أن تجرى شركات التكنولوجيا التابعة لها أبحاثاً تأسيسية لمساعدتها فى الفصل التكنولوجى طويل المدى مع الولايات المتحدة، بدلاً من التركيز فقط على جذب أكبر عدد ممكن من المستهلكين إلى منصاتهم.
الجهات التنظيمية تفتقر للموارد
من نواحٍ عديدة، يتفوق حجم شركات التكنولوجيا فى الصين على الهيئات التنظيمية لمكافحة الاحتكار.
واعتباراً من مارس، كان لدى هيئة إدارة الدولة لتنظيم السوق فى الصين طاقم عمل يبلغ حوالى 50 شخصا فقط، حسبما قال هوانج يونج، عضو اللجنة الاستشارية لمكافحة الاحتكار فى مجلس الدولة.
وتفتقر الهيئة الصينية لوجود فريق منفصل من خبراء الاقتصاد اللازمين لتحليل القضايا، بل إنها بدلاً من ذلك تتعاقد مع الاستشاريين الخاصين أو الأكاديميين فى بعض الأحيان، وفقاً لفاى زو، رئيس ممارسة المنافسة فى الصين التابعة لشركة المحاماة «لينكليترز» (Linklaters).
فى غضون ذلك، كانت شركات التكنولوجيا منشغلة بتعيين محامين وموظفى العلاقات الحكومية لمحاولة حماية أنفسها.
وتتوقع أنجيلا زانج، أستاذة القانون بجامعة هونج كونج، أن حملة مكافحة الاحتكار الحالية قد تساعد هيئة إدارة الدولة لتنظيم السوق على تعزيز أعدادها فى كافة المجالات.
يعتبر قانون مكافحة الاحتكار أقوى عصا تمتلكها هيئة إدارة الدولة لتنظيم السوق، إذ يسمح هذا القانون بفرض غرامات تصل إلى %10 من الإيرادات السنوية المحلية للشركة، وهى العقوبة نفسها التى اقترحها قانون الأسواق الرقمية فى الاتحاد الأوروبى.
شركات التكنولوجيا تُحسن الصورة العامة
تركز الجهات التنظيمية على الشركات التى يؤدى سلوكها إلى احتجاج شعبى، فالشركات بإمكانها الانتباه إلى شكاوى المستهلكين والعملاء ووسائل الإعلام، لكن عندما يرتفع سلوك الشركة إلى مستوى عدم الرضا العام، فإن مخاطر الاستفسارات التنظيمية أو حتى التدخل ستكون عالية.
يمكن للشركات التى تجذب انتباه الجهات التنظيمية أن تتوقع فترة طويلة من المفاوضات الخاصة والاتصالات قبل الإعلان عن أى شيء، حتى قبل أن تصبح القضية علنية على الإطلاق.
وفى خطوة هدفها الاستجابة للضغوط، بدأ مؤسسو التكنولوجيا فى الصين، مخاطبة الرأى العام من خلال تكثيف تعهداتهم لتحسين المجتمع.
وفى أبريل، قالت شركة «تينسنت» إنها ستنفق 50 مليار رنمينبى «أى ما يعادل 7.7 مليار دولار» فى المبادرات الاجتماعية والبيئية. كما تعهد بونى ما، مؤسس «تينسنت»، بتقديم 2 مليار دولار من أسهمه للأعمال الخيرية.
قواعد أكثر صرامة على البيانات
لم يتضح بعد، مدى تتضرر شركات التكنولوجيا الصينية من تطبيق القواعد. فقد حذر أوليفر روى، أستاذ المالية فى كلية الأعمال الدولية الصينية الأوروبية فى شنغهاى، من أن تشديد الضوابط على جمع البيانات سيكون هو الخطر الأكبر على الشركات.