كيف تتحسن جهود التعافى الاقتصادى فى أوروبا؟
هل الخطوات التى تتخذها أوروبا لدعم التعافى الاقتصادى بعد الوباء قليلة ومتأخرة؟
ظل هذا السؤال مطروحاً حتى بعد عقد الاتحاد الأوروبى أكثر صفقاته طموحاً فى أسواق المال العالمية. بالنسبة للمستقبل، فإن النقطة الأساسية هى أن الدعم المالى والاقتصادى والنقدى لأوروبا لا يلزم أن يكون أكبر حجماً، بل يجب أن يكون أكثر ذكاء.
ويؤيد بعض صانعى السياسة البارزين، مثل وزير المالية الألمانى السابق ولفغانغ شوبل، برامج التحفيز التى يغذيها الدين فى الاتحاد الأوروبى، لكنهم مع ذلك يحثون على العودة السريعة إلى الانضباط المالى والنقدى. ويحذر آخرون من مخاطر سحب الدعم فى وقت مبكر والعودة إلى مزيج غير مناسب من السياسات، وقد يكون وضع إطار للنقاش بطريقة مناسبة نقطة البداية فى هذا الجدال، حسبما ذكر الاقتصادى لورينزو كودوجنو فى مقال نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ويمثل الاتحاد الأوروبى، المكون من 27 دولة، ومنطقة اليورو، التى تضم 19 دولة، مثالين على أعمال غير مكتملة.
كما أن الأدوات المناسبة لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلى تأتى أيضاً ضمن القطع المفقودة لدعم التعافى الاقتصادى.
وتشمل نقاط الضعف المتواجدة ضمن نطاق النظام الحالى مخاطر إمكانية تسبب الضائقة المالية والمصرفية فى تعزيز بعضها البعض، كما رأينا قبل عشرة أعوام.
كما أن الافتقار إلى القدرة المالية يؤدى إلى الاعتماد المفرط والمثير للجدل سياسياً على السياسات النقدية غير التقليدية للبنك المركزى الأوروبى.
خلال فترة تفشى الوباء، استفادت جميع دول الاتحاد الأوروبى، خاصة الدول الأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية، من تعليق القواعد المالية للاتحاد الأوروبى ومن مظلة الحماية التى يقدمها البنك المركزى الأوروبى.
وتضمنت السياسات الوطنية ضمانات حكومية للقروض المصرفية، وتعويضات عن الدخل المفقود للعمال والشركات، وخطط الاحتفاظ بالوظائف، وتأجيل بعض الضرائب.
ورغم بعض الصعوبات والتأخير، كانت هذه الإجراءات فعالة بشكل كبير فى استقرار اقتصادات الاتحاد الأوروبى وتمهيد الطريق للتعافى الاقتصادى، بينما لعبت خطة الاتحاد السخية والمتعددة الأوجه دورها فى مواجهة الانكماش.
وفى الواقع، كانت استجابة السياسة أقل من أن يقال إنها وصلت إلى حد الكمال، إذ تم تجميعها معاً بطريقة طوارئ مخصصة، وكانت موجهة نحو التحويلات المالية بين الدول الأعضاء، فى حين أن ما تحتاجه منطقة اليورو حقاً هو أصول أوروبية آمنة وقدرة مالية مركزية.
ومع ذلك، حتى لو كان من الممكن أن تكون استجابة الحكومات أكثر كفاءة وتأتى فى وقتها المناسب، فمن الصعب القول إنه كان ينبغى أن تكون استجابة أكبر حجماً.
وتوصل المجلس المالى الأوروبى، وهو هيئة استشارية مستقلة تابعة للمفوضية الأوروبية، هذا الأسبوع إلى أن «السياسات المعتمدة أو التى أعلنتها الحكومات بمصداقية حتى الآن يبدو أنها تحقق درجة مناسبة من الدعم المالى».
وبالتالى، فإن الأمر لن يكون متعلقاً بفعل المزيد خلال أى أزمة مستقبلية، بل القيام به بشكل أفضل، ولهذا يجب أن يتدخل البعد الأوروبى.
ومع وجود أصول الاتحاد الأوروبى الآمنة والقدرة المالية الدائمة فى المركز، ستكون استجابات سياسة الكتلة أقل قوة مثل تلك الاستجابات الوطنية الحالية، لكنها ستكون أكثر استدامة وتلقائية وتأتى فى الوقت المناسب.
ويتعلق الجزء الآخر من خطة التعافى للاتحاد الأوروبى بالمرونة، إذ يتمثل الهدف الأساسى فى تعزيز النمو المحتمل من خلال الاستثمارات العامة المدعومة بإصلاحات هيكلية.
فى الوقت الذى تُركت فيه معظم جهود استقرار الاقتصاد الكلى للمبادرات الوطنية، فإن خطة المرونة ستعتمد بشكل كبير على الأموال الأوروبية الممولة بشكل مشترك، مثل نظام إصدار السندات لأجل 10 أعوام بقيمة 20 مليار يورو الذى أطلقته المفوضية الأوروبية مؤخراً.
وتميل الخطة نحو تلك الدول الأكثر احتياجاً، وهى تشمل الدول الأعضاء الأقل ثراء والتى شكلت أموال المساعدات الإقليمية للاتحاد الأوروبى منذ فترة طويلة حصة كبيرة من ناتجها المحلى الإجمالى.
ومع ذلك، ستكون إيطاليا أحد أكبر المستفيدين، رغم أنها حتى الآن تعتبر مساهماً صافياً فى ميزانية الاتحاد الأوروبى.
ومعروف أن المعاناة من تراجع أدائها الاقتصادى على مدى ربع قرن، تسببت فى انزلاق إيطاليا إلى النصف السفلى من الاتحاد الأوروبى من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى.
كما أن إيطاليا وإسبانيا، المستفيد الأكبر الآخر، ستتحملان مسئولية هائلة مع بدء تنفيذ خطة التعافى الخاصة بالاتحاد الأوروبى، إذ تحتاج الأموال إلى أن توظف للعمل بشكل فعال.
وينبغى أيضاً أن تصبح الإصلاحات مرئية للحكومات الأوروبية والناخبين فى الدول الأخرى حتى ينظر الاتحاد الأوروبى فى الخطوات المستقبلية نحو التكامل.
لا يوجد بالطبع أى عذر لفشل بعض الدول فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاستفادة الجيدة من الاستثمارات العامة فى الماضى.
ومع ذلك، فإن القيود المالية المشددة أحياناً ما تُصعب على بعض الحكومات تمويل المشاريع التى تستفيد من الصناديق الهيكلية للاتحاد الأوروبى والحفاظ على مستوى لائق من الإنفاق على الاستثمارات العامة، ما أدى إلى تفاقم مشاكل نموها.
علاوة على ذلك، لم تكن الاستجابات المضللة للأزمات السابقة والمزيج غير المواتى من السياسات المالية والنقدية جيداً لتحقيق الإجماع السياسى والاجتماعى اللازم للإصلاحات الهيكلية العميقة الجذور فى جانب العرض.
وبدلاً من ذلك، نما حجم الحركات الشعبوية المناهضة للمؤسسة، ما أدى إلى تراجع بعض التقدم الإصلاحى الذى أُحرز فى الماضى.
ولا شك فى ضرورة استعادة الانضباط المالى فى الاتحاد الأوروبى بأسره فى مرحلة ما، لكن يتمثل الهدف الأسمى الذى يأتى ضمن الصورة الأكبر الآن يتمثل فى إصلاح اقتصادات أوروبا وإعدادها لمواجهة تحديات المستقبل. وهذا الأمر سيتطلب إطاراً مالياً محسناً وتحقيق التوازن الصحيح بين سياسات الميزانية والاستراتيجيات الاقتصادية والتدابير النقدية للبنك المركزى الأوروبى.
ومن هذا المنطلق، فإن مهمة أوروبا لا تنطوى على الرد الأكبر بل الاستجابة الأفضل.