«فاينانشيال تايمز» تبرز السمات اللازمة لنجاح أى مركز مالى فى العالم
أثارت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية تساؤلا هاما، يدور حول السمات اللازمة لنجاح أى مركز مالى فى العالم.
وتعتبر كل من آليات التجميع العميق لرأس المال، والعملات القابلة للتحويل، والمعدلات الضريبية المنخفضة، والبنية التحتية الجيدة، عوامل هامة للمساهمة فى نجاح أى مركز مالي.. لكن لا يزال هناك شيء آخر مطلوب أيضا لتحقيق هذا النجاح، وهو الثقة فى سيادة القانون، فضلا عن حرية التعبير حيث لا يمكن تكميم الآراء السلبية.
وساهمت هذه السمات الأخيرة- قبل أى شىء آخر- فى تعزيز مكانة هونج كونج كمركز مالى بارز فى آسيا لعقود زمنية، وهى أيضا الأكثر عرضة للخطر من تحرك البر الرئيسى الصينى لفرض قانون للأمن القومى فى هونج كونج.
ويبدو أن الحكومة المركزية فى الصين وجدت- بعد أشهر من الاضطرابات- أن فرض سلطتها على المستعمرة البريطانية السابقة أكثر أهمية من حماية دورها كبوابة مالية إلى البر الرئيسي، ولكن بمجرد فرض قانون الأمن القومى ستشعر الشركات الأجنبية بالخوف من إمكانية افتقارها القدرة على توقع التمتع بنفس المعاملة العادلة من محاكم هونج كونج.. وعلى سبيل المثال خلال النزاعات مع الشركات الصينية الحكومية.
وأوضحت «فاينانشيال تايمز»، أن الثقة فى القانون تدل أيضا على أن أكثر من نصف الاستثمارات المباشرة الخارجية القادمة من البر الرئيسى للصين تتجه إلى هونج كونج، وفى العموم ما يقرب من ثلثى تدفقات الاستثمار المباشر للصين تتم عبر المدينة.
وثمة مخاوف أيضا فى المجتمع المالى فى هونج كونج، متعلقة بإمكانية كتابة أحد المحللين لتقرير ينتقد خلاله أحد الأعمال التجارية الصينية المملوكة للدولة، خصوصا أن هذا الفعل ربما يصنف على أنه تشهير بموجب قانون الأمن القومي.
وفى العموم لا تعتبر هذه المسألة بسيطة، خصوصا أن شركات البر الرئيسى الصينى تشكل أكثر من نصف أسهم هونج كونج المدرجة من حيث العدد، وأكثر من ثلاثة أرباع القيمة السوقية.
فى الواقع، ربما يخشى خبراء الاقتصاد كتابة أى شيء سلبى يتعلق بالحكم الصينى أو السياسة الاقتصادية، خصوصا أنه من المحتمل أن يصنفه القانون الجديد على أنه هجوم على الحزب الشيوعى الصيني.
ورغم أن آسيا تمثل نصف الاقتصاد العالمي- وفقا لبعض التقديرات- إلا أن الأشخاص الذين يدعون تتويج هونج كونج على القمة قليلون بشكل مدهش، ولكن طوكيو- التى سعت لسنوات لتصبح منافسة أكثر جدية- تأمل فى إبراز نفسها باعتبارها الملاذ الأفضل للأعمال التجارية فى هونغ كونغ التى تتطلع إلى الانتقال، إذ تدرس اليابان اتخاذ إجراءات بشأن الإعفاء من التأشيرات والمشورة الضريبية والمساحة المكتبية المجانية للمهنين العاملين فى القطاع المالى القادمين من هونج كونج.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من المقرر دمج كل تلك الأفكار فى استراتيجية اقتصادية سنوية خلال الشهر المقبل.
وباعتبارها أكبر مدينة فى العالم، مع وجود كثير من المساحات المكتبية المتاحة والارتباط الممتاز بكافة أنحاء آسيا وانخفاض تكلفة المعيشة للوافدين بشكل كبير عما كانت عليه فى فترة الثمانينيات، تعتبر عاصمة اليابان منطقة جذب، حيث تعتبر الديمقراطية المستقرة وسيادة القانون- رغم أن قضية الرئيس التنفيذى السابق لشركة «نيسان» كارلوس غصن هزت الصورة القضائية فى اليابان- عنصر النجاح الرئيسي.
لكن ارتفاع معدلات ضريبة دخل الأفراد والشركات وعدد محدود من الموظفين الناطقين باللغة الإنجليزية، والبيروقراطية الثقيلة، ومتطلبات الحصول على التراخيص، وأحيانا واقع التحيز ضد الأجانب.. كلها عوامل تحسب ضد طوكيو.
فى الوقت نفسه، تتمتع سنغافورة، التى تقع فى نفس النطاق الزمنى للصين وهونج كونج، بما تراه العديد من الشركات الدولية كمنظمة ذات استعدادات تنظيمية وقانونية وثقافية أفضل.. لكنها تمتلك أيضا نظام استبدادي، حتى لو كان مجتمع الاستثمار حرا إلى حد كبير فى التعبير عن رأيه، باستثناء الأعمال التجارية المملوكة للأسر الرائدة.
ونظرا لأوجه القصور التى يعانى منها المنافسون، قد لا تحدث موجة من النزوح الجماعى من هونج كونج، وربما تكون هناك أيضا- من قبيل المفارقة- فرصة لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فى ظل وجود يوم عمل يتداخل لفترة وجيزة مع العلاقات التاريخية الآسيوية القوية.
وفى هذا الصدد، شعر كل من مصرف «إتش إس بى سي» وشركة «ستاندرد تشارترد» للخدمات المصرفية، ومقرهما فى المملكة المتحدة، اللذين يأتى جزء كبير من عائداتهما من الصين وهونج كونج، بأنهما مجبرتان على دعم قانون الأمن الصينى بشكل صريح.. فعلى الأقل يمكن أن تكون الهيئتين فى وضع أفضل للاستفادة من أى دفعة إلى لندن.