«ذى إيكونوميست»: الصين لا تزال أكبر موطن للصناعات فى العالم رغم «كورونا»
بكين تقتنص %30 من واردات اليابان و%24 من واردات أوروبا فى مايو وأبريل
من المعتاد توافد أكثر من 200 ألف مشتر، من كل بلد تقريبا، إلى صالات معرض كانتون، أكبر معرض تجارى فى العالم.
ولكن الوضع كان مختلفا تماما هذا العام، إذ انعقد المعرض بالكامل عبر شبكات الإنترنت لمدة 10 أيام انتهت فى 24 يونيو الحالى، نظرا لتفشى جائحة فيروس كورونا.
ورغم أن العالم الافتراضى لا يشكل بديلا جيدا للاجتماعات الفعلية على أرض الواقع، إلا أن معرض كانتون الافتراضى كان يعتبر دليلا على استعراض الصين لقدراتها التصنيعية.
فقد استضاف المعرض ما يقرب من 25 ألف عارض عبر البث المباشر، غالبا من مصانعهم، واستطاع هؤلاء العارضون التحدث مع أى شخص مهتم بمنتجاتهم.
وحتى لو كان البث المباشر مقدم بطريقة غير متقنة، إلا أن تأثيره الكلى كان قويا للغاية. فقد أثبت هذا المعرض أن الصين موطن لما يصل إلى %28 من الصناعات فى العالم، وهى نسبة مماثلة تقريبا لكلا من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا مجتمعة.
ورغم الاضطرابات الناتجة عن تفشى وباء كوفيد-19، إلا أن وضع البلد الآسيوى لا يزال قويا.
وذكرت مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية أن الصين تتمتع بميزتين كبيرتين باعتبارها قوة تصنيعة.
وتتمثل الميزة الأولى فى تمتع قاعدتها الصناعية بعمق لا مثيل له، فهى تنتج كل شى بداية من الأحذية وحتى التكنولوجيا الحيوية المتطورة. كما أنها أصبحت تتمتع بقدرة تنافسية أكبر بفضل المزيج المكون من مجموعات التصنيع والبنية التحتية الممتازة والمصانع المطورة.
وأشارت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، إلى ارتفاع قيمة الصادرات الصينية إلى الخارج عند %26 فى عام 2005، ولكن هذه النسبة انخفضت إلى %17 بحلول عام 2016، مع انخفاض حصة المحتوى الأجنبى بشكل حاد فى مجال الإلكترونيات، وبعبارة أخرى يمكن القول إن عملية تصنيع المزيد من القطع الصغيرة التى ينتهى بها المطاف إلى الأدوات الصينية تتم فى الصين.
وتقدم أقنعة الوجه الطبية، التى يجب توافرها لتجنب الوباء، صورة حية لقوة الصين. فقد أنتجت البلاد نصف المعروض العالمى تقريبا فى بداية فبراير الماضى، أى ما يصل إلى 10 ملايين قناع طبى فى اليوم، ثم ارتفع الإنتاج فى غضون شهر إلى نحو 120 مليون قناع، ولم يكن السبب الرئيسى الكامن خلف ذلك هو المجهود، بل وجود سلسلة الإمداد الأكثر اكتمالا فى العالم.
وتتمثل الميزة الثانية فى اعتبار الصين سوقا هائلة الحجم، وهو السبب الكامن خلف رغبة العديد من الشركات الأمريكية فى استمرار صراعات إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع الصين، إذ تمارس الإدارة الأمريكية مزيدا من الضغوط لإفساح المجال أمام شركاتها للعمل فى الصين.
ووفقا لأحدث المقاييس، تبدو الشركات العالمية أكثر ارتباطا بالصين، رغم الحرب التجارية. فقد وصلت قيمة عمليات الدمج والاستحواذ الأجنبية فى الصين- وفقا لتقديرات شركة «روديوم جروب» البحثية- إلى أعلى مستوى لها فى عقد خلال الأشهر الـ 18 الماضية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مشاريع استثمارية رفيعة المستوى، إذ تستثمر شركة «باسف» الكيميائية الألمانية ما قيمته 10 مليارات دولار فى مجمع إنتاج فى جنوب الصين لخدمة العملاء المحليين. كما افتتحت شركة «تيسلا موتورز» أول مصنع أجنبى لها فى شنغهاى العام الماضى لتلبية احتياجات السوق الصينية.
وكما هو متوقع، يضر الانكماش الاقتصادى العالمى بالشركات الصينية، إذ انخفضت صادرات تلك الشركات بنسبة %8 فى الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالى مقارنة بالعام السابق، ولكنها تعتبر رغم ذلك فى حال أفضل من معظم الشركات الأخرى فى العالم، بفضل نجاح الدولة فى إبطاء تفشى الوباء.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم استئناف الصين المبكر للنشاط الصناعى فى كسب المصدرين حصة سوقية، حيث شكلت السلع الصينية فى اليابان رقما قياسيا بنسبة %30 من الواردات فى مايو، فى حين وصلت حصتها إلى %24 من واردات أوروبا فى شهر أبريل، وهو رقم قياسى أيضا.
ومع ذلك، ربما يكون هذا الوضع وضعا جيدا للغاية بالنسبة للمصدرين الصينيين، حيث تدرك الدول الأخرى جيدا براعة التصنيع فى الصين، ويمكن رؤية ذلك من خلال تسارع الدول الأخرى لشراء أجهزة التنفس الاصطناعى والأقنعة الطبية من الصين فى بداية هذا العام.
وأشارت المجلة البريطانية إلى أن الحكومات، من الهند إلى تايوان، تقدم القروض والأراضى والامتيازات الأخرى لجذب المستثمرين القادمين من الصين.
ونادرا ما شكلت الصين مثل هذا الإغراء فى الماضى.. لكنها فرصة تتعرض للتهديد نظرا لثلاثة أسباب، أولها يتمثل فى أن تسلق الصين لسلاسل القيمة يشكل ضغطا على الشركات منخفضة التكلفة.
والسبب الثانى هو أن الاضطرابات الناشبة مع الولايات المتحدة، تتسبب فى شعور العديد من الشركات بالتوتر. فلا يزال عملاق التكنولوجيا الأمريكى «أبل» يصنع معظم أجهزة «
آى فون» فى الصين، ولكنه شجع مورديه على التوسع فى أماكن أخرى.
أما السبب الثالث، فيتمثل فى أن الإغلاق المتواصل للمصانع أثناء فترة تفشى الوباء أظهر مخاطر التعرض المفرط لأى بلد.
ويمكن العثور على دليل هام على موجة التحول فى استطلاع أجراه بنك «يو.بى.إس» على الشركات الكبرى، والذى ذكر أن %76 من الشركات الأمريكية و%85 من شركات شمال آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وحتى %60 من الصين- من بين المستجيبين الذين يزيد عددهم عن 1000 شركة- انتقلت بالفعل أو تخطط لنقل بعض الإنتاج بعيدا عن الصين.
ويقدر كيث باركر، من مصرف «يو.بى.إس»، إمكانية تحويل الشركات لما بين %20 و%30 من قدرتها التصنيعية الصينية.
ولن يحدث هذا الأمر بين عشية وضحاها.. لكنه سيقضى على هيمنة الصين فى عالم التصنيع.