انفجار بيروت يزيد من آلام الاقتصاد اللبنانى
أسفر انفجار هائل فى العاصمة اللبنانية بيروت عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف وتدمير المبانى فى كافة أنحاء البلاد التى تعانى من اضطرابات فعلية، حيث أرجع المسؤولون السبب فى ذلك إلى انفجار مواد كيميائية مخزنة فى مرفأ بيروت.
ويشكل هذا الانفجار طبقة أخرى من المصاعب على بلد يعانى بالفعل من أسوأ أزمة مالية فى تاريخه ويكافح لاحتواء تفشى جائحة فيروس كورونا.
وفى هذا الصدد، آثارت وكالة أنباء «بلومبرج» 4 تساؤلات هامة بشأن انفجار مرفأ بيروت وتأثيره على الاقتصاد المتداعى بالفعل، وكانت تلك الأسئلة كالآتى:
كيف سيؤثر انفجار مرفأ بيروت على اقتصاد لبنان؟
أوضحت «بلومبرج» أن المرفأ، الذى تضرر بشدة، يعتبر أكبر ميناء فى لبنان، وفى حين تعمل الدولة على تعيين ثانى أكبر ميناء فى طرابلس ليكون بديلا، إلا أن السلطات تشعر بالقلق من الطريقة التى ستحصل بها الدولة، المعتمدة على الاستيراد، على المواد الغذائية واللوازم الطبية والسلع الأخرى التى تشتد الحاجة إليها.
وكان لبنان يكافح بالفعل تحت وطأة الانهيار الاقتصادى، مع الانخفاض السريع فى قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع سعر الصرف فى السوق السوداء، مما أدى إلى ارتفاع التضخم وإغلاق الشركات ومعاناة العديدين من البطالة والفقر.
بالإضافة إلى ذلك، أدى انخفاض قيمة العملة المحلية بنحو %80 أمام الدولار الأمريكى منذ أغسطس الماضى إلى جعل الواردات باهظة الثمن، مما أجبر البنك المركزى اللبنانى على اللجوء إلى احتياطياته لدعم القمح والوقود والأدوية، ليصبح بذلك نقص الوقود والخبز أمرا شائعا.
هل يمكن للبنان الاعتماد على المساعدات الخارجية؟
بعد التخلف عن سداد سندات اليورو فى مارس الماضى، شرع لبنان فى عقد محادثات مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض بقيمة 10 مليارات دولار، ولكن هذه المحادثات توقفت فى الوقت الذى يكافح فيه المسؤولون فى لبنان للاتفاق على حجم الخسائر فى النظام المالى وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة للحصول على التمويل.
وتشعر دول الخليج، التى كانت تقدم للبنان أموالا فى السابق، بالقلق تجاه إمكانية وقوع المزيد من المساعدات فى أيدى جماعة حزب الله المدعومة من إيران، فى حين قالت فرنسا، التى استضافت مؤتمر المانحين الدولى لعام 2018 والذى أسفر عن تعهدات بأكثر من 11 مليار دولار فى شكل قروض ومنح للبنان، إن خطة إنقاذ صندوق النقد الدولى هى الخيار الوحيد أمام البلاد، رغم أنها أعربت عن استعدادها لتقديم المساعدات اللازمة بعد حدوث انفجار المرفأ.
هل يشعل الانفجار المزيد من الاضطرابات الاجتماعية؟
تعتبر هذه الكارثة هى الأسوأ فى لبنان منذ عقود زمنية، كما أنها آثارت غضب المواطنون، الذين طفح بهم الكيل بالفعل، من سوء الإدارة فى بلادهم ومن اشتعال الانفجار أيضا الناتج عن تخزين كمية كبيرة من نترات الأمونيوم تعادل 1800 طن من مادة «تى إن تى» بشكل غير مناسب.
وشهدت لبنان، فى أكتوبر الماضى، احتجاجات على الصعيد الوطنى ضد الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية والسياسات الطائفية، وعلى الرغم من تراجع الاضطرابات، إلا أن الأزمة الاقتصادية المتنامية والارتفاع الحاد فى الأسعار قاد المتظاهرين مرة أخرى إلى الشوارع فى يونيو الماضى.
هل يملك لبنان القدرة المناسبة للتعامل مع كارثة ووباء فى الوقت ذاته؟
أشارت «بلومبرج» إلى أن مستشفيات بيروت تعانى من حالة من الإنهاك الناتجة عن تكدس الأفراد، كما أن بعضها تضرر بشدة فى الانفجار الأخير، ليخضع بذلك بعض المرضى إلى العلاج فى مواقف السيارات.
وفى هذا الصدد، قال وزير الصحة اللبنانى إنه يجرى إنشاء المستشفيات الميدانية فى الوقت الراهن. ولأكثر من عام، حذر الممارسون الطبيون من أن فشل الحكومة فى سداد الأموال التى تدين بها للمستشفيات يعرض الصحة العامة للخطر، وأن تفشى جائحة كورونا يزيد الأمور سوءا، كما أنهم أكدوا أن المستشفيات العامة تمتلك قدرة محدودة على العناية المركزة واضطرت فى بعض الأحيان إلى إيقاف تشغيل تكييف الهواء وتأخير العمليات الجراحية بسبب نقص الوقود.
ونقلت «بلومبرج» فى تقرير منفصل عن محمد أبوباشا، رئيس وحدة الاقتصاد الكلى فى المجموعة المالية «هيرميس»، قوله فى رسالة بريد إلكترونى، إن الأمل يكمن فى مساهمة هذه المأساة فى حث الفصائل السياسية على التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إصلاح اقتصادى، خاصة أن صندوق النقد الدولى كان حريصاً على تقديم المساعدة.
وأضاف: «رأينا أن الحكومة تضع خطة موثوقة، والتى يبدو أن صندوق النقد وافق عليها فى البداية، لكن اختلاف الآراء بين الفصائل السياسية وجماعات المصالح جعل توافق الآراء على هذه الخطة شبه مستحيل، وبالتالى توقفت المحادثات مع صندوق النقد».
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولى إلى إمكانية وصول الدين اللبنانى إلى %162 من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2020، وهو رابع أعلى نسبة ديون على مستوى العالم.
وقال نافذ زوق، استراتيجى الاقتصاد الكلى للأسواق الناشئة فى «أكسفورد إيكونوميكس»، فى رسالة بريد إلكترونى أيضاً، إن الضرر الاقتصادى المباشر سيحتاج لجوء الدولة لاستخدام الدولارات التى تتواجد لديها بالكاد لاستيراد ما هو مطلوب من حيث الوقود والحبوب والمواد اللازمة لإعادة تشييد البلاد والإمدادات الطبية، لكن سوء الإدارة والفساد الفادحين فى لبنان يعنى أن هوامش الأمان هذه غير موجودة، وبالتالى تزداد الحاجة إلى مساعدة مالية وإنسانية فورية ملحة.
وأضاف زوق: «أعتقد أن تداعيات هذه الكارثة ستكون سياسية أكثر منها اقتصادية، وربما تكون الشرارة التى تعيد إشعال احتجاجات أكتوبر، التى تلاشت فى الآونة الأخيرة، بسبب تفشى كورونا وتشكيل الحكومة الجديدة، لكن السخط الشعبى بدأ يتصاعد مرة أخرى، وربما تكون الكارثة الأخيرة هى القشة التى قصمت ظهر البعير».