النمو الضعيف وأكوام الديون يهددان الاقتصادات الناشئة
تواجه الاقتصادات الناشئة مزيجاً ساماً، مكوناً من ارتفاع تكاليف التمويل ونمو أكوام الديون سريعاً والنمو الاقتصادى المضطرب فى عام 2021، فى حين تناضل للتعافى من التداعيات الاقتصادية لتفشى الوباء.
ورفعت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية مؤخراً، توقعاتها للاقتصاد العالمى، لكن معظم هذا التحسن يشكل مصدر إفادة للعالم المتقدم.
كما أنها حذرت من أن نمو الاقتصادات الناشئة سيظل أقل بنسبة تتراوح بين %3 و%4 من مسار نموها قبل الوباء بحلول نهاية العام المقبل.
ووجهت التوقعات ضربة لآمال تمكن الدول، الهشة مالياً، من الخروج من التوسع الهائل فى الإنفاق العام الذى قام به كثيرون العام الماضى، فى محاولة لتخفيف الأضرار التى لحقت بأنظمة الرعاية الصحية والاقتصادات بسبب الوباء وتدابير الإغلاق.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن صندوق النقد الدولى والهيئات الأخرى حثت حكومات العالم على إنفاق كل ما فى وسعها أثناء الوباء، ثم الشعور بالقلق لاحقاً بشأن الديون.
وهذا ما فعله الكثيرون، إذ بلغ الدين العام للبرازيل %102 من الناتج المحلى الإجمالى فى نهاية العام الماضى، فى حين بلغ الدين العام للهند %89 وجنوب أفريقيا %82، وفقاً لمعهد التمويل الدولى.
وفى الوقت نفسه، قامت تريليونات الدولارات التى ضختها الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى فى الأسواق المالية العالمية كجزء من استجابتها الوبائية، بدفع تكاليف الاقتراض إلى الانخفاض.
وذكرت وكالة التصنيف الائتمانى «فيتش» أن خدمة الدين العام للاقتصادات المتقدمة سوف تقدر بـ%3.3 من الإيرادات الحكومية هذا العام، بارتفاع طفيف من نسبة %3.1 المسجلة فى عام 2019، وذلك رغم الزيادة الهائلة فى الديون والانخفاض الحاد فى الإيرادات الضريبية.
لكن معظم الاقتصادات الناشئة لا تزال لديها معدلات فائدة أعلى بكثير. وفى المتوسط، ستنفق تلك الاقتصادات %10.4 من الإيرادات على مدفوعات الفائدة لهذا العام، بارتفاع من %8 فى عام 2019.
ونتيجة ذلك، فإن المبلغ الذى تعتزم حكومات الاقتصادات الناشئة إنفاقه على مدفوعات الفائدة العام المقبل سيعادل إنفاق الاقتصادات المتقدمة- حوالى 860 مليار دولار لكل مجموعة- رغم أن الاقتصادات المتقدمة اقترضت نحو ثلاثة أضعاف الاقتصادات الناشئة، وفقا لـ»فيتش».
وقال رئيس محللى التصنيف السيادى لدى «فيتش»، جيمس مكورماك: «كل المحادثات التى نسمعها تدور حول ضرورة استفادة الحكومات من أسعار الفائدة المنخفضة للاقتراض والإنفاق، لكن إذا لم تكن من الدول التى تتمتع بأسعار فائدة منخفضة، فإن العبء على الحسابات العامة يستمر فى النمو».
وأشار المحللون إلى أن الدول الأكثر ضعفاً هى تلك التى يكون متوسط سعر الفائدة على ديونها أعلى من معدل نموها.
وقال رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة فى «سيتى بنك»، ديفيد لوبين: «يظل سعر الفائدة الحقيقى طويل الأجل فى جنوب أفريقيا قريباً من %4، وبالتالى فإنه يعتبر مرتفعاً بشكل سخيف عندما يبلغ معدل النمو الاقتصادى المحتمل %1.5 تقريبا». وأشار إلى أن الدين الذى يجب أن يقلق الناس بشأنه هو ذلك الخاص بالدول التى ليس لديها نموذج نمو موثوق.
وتشير أرقام معهد التمويل الدولى إلى أن البرازيل والمكسيك تواجهان مشكلة مماثلة، فى حين أن دولاً مثل إندونيسيا وتركيا والهند أقل عرضة للخطر.
ورغم أن تكاليف خدمة الديون فى الهند العام الماضى استهلكت أكثر من ربع عائداتها الحكومية، يعتقد المستثمرون أن اقتصادها سينمو بسرعة كافية للحفاظ على ثبات قيمة عملة الروبية وحتى الارتفاع مقابل الدولار الأمريكى.
وأشار معهد التمويل الدولى إلى أن الهند تبيع السندات بآجال استحقاق طويلة الأجل، مما يحد من مخاطر إعادة التمويل، كما أن المستثمرين الأجانب يملكون أقل من %2 من ديونها المحلية، ما يعنى أن أسواقها ليست عرضة لتدفقات خارجة مفاجئة لرأس المال الأجنبى.
ويحذر المحللون من أن هذا الأمر يترك هذه الدول تكافح من أجل السيطرة على تكاليف تمويلها، فعلى سبيل المثال كانت البرازيل تبيع السندات فى سوقها المحلى بآجال استحقاق أقصر، إذ تراجع متوسط أجل استحقاق الدين الحكومى الجديد إلى عامين فى عام 2020، بانخفاض من أكثر من خمسة أعوام فى عام 2019.
ومعروف أن السندات قصيرة الأجل أرخص فى الإصدار، لكن يجب سدادها بسرعة أكبر، وهو قرار صعب فى أوقات الأزمات.
ويعتبر العديد من الاقتصاديين أن مشكلة ديون جنوب أفريقيا هى الأصعب فى الحل بسبب حجم التعديل المالى المطلوب.
وأشار البنك المركزى الجنوب أفريقى إلى أن ديون بريتوريا تتمتع بآجال استحقاق طويلة- بمتوسط يزيد على 13 عاماً- كما أن أسواق رأس المال المحلية أعمق من تلك الموجودة فى الاقتصادات الناشئة الكبيرة الأخرى.
لكن رغبة المستثمرين الأجانب فى شراء سنداتها تتعرض لضغوط، إذ ذكر معهد التمويل الدولى إن المستثمرين امتلكوا نحو %30 من ديونها المقومة بالعملة المحلية نهاية العام الماضى، بانخفاضا من %40 تقريبا بين عامى 2017 و2019. وتساعد قدرة الاقتصادات الناشئة على بيع الديون بعملتها المحلية على التخفيف من الشكل الكلاسيكى لأزمة ديون الأسواق الناشئة، حيث يؤدى نقص الدولارات إلى تثبيط القدرة على سداد الديون الخارجية.
The post النمو الضعيف وأكوام الديون يهددان الاقتصادات الناشئة appeared first on Economy Plus.