الجائحة تخفى تأثير الخروج على اقتصاد بريطانيا
بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على استفتاء الاتحاد الأوروبى، لاتزال بريطانيا منقسمة كما كانت دائماً بشأن مسألة عضوية المملكة المتحدة فى الكتلة.
مع ذلك، يتفق خبراء الاقتصاد من كلا جانبى الحجة على شيء واحد، وهو أن القواعد واللوائح الجديدة التى اتفقت عليها لندن وبروكسل تسببت فى إلحاق الضرر باقتصاد المملكة المتحدة وأضر بالتجارة وزاد نقص العمالة.
لكن ثمة مشكلة يواجهها الاقتصاديون المؤيدون والمعارضون للاتحاد الأوروبى أثناء محاولتهم تقييم آثار الأشهر الستة الأولى من اتفاقية التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى، هذه المشكلة هى أن الصورة المتعلقة بالتجارة والتوظيف قد غمرتها التداعيات الاقتصادية للوباء.
كما أن الحكم على الآثار طويلة الأجل بعد أزمة كورونا غير مؤكد، كما هو الحال فى محاولة العثور على الفوائد الاقتصادية لانفصال المملكة المتحدة عن بروكسل.
قال جون سبرينجفورد، نائب مدير مركز الإصلاح الأوروبى، وهو مؤسسة فكرية: «بشكل عام، كوفيد أثر بشكل كبير على البيانات الاقتصادية، مما صعب إجراء أى مقارنات، لذا لا يمكننا حقاً فصل تأثير خروج بريطانيا».
كانت تجارة السلع هى المجال الأكثر أهمية الذى ظهرت فيه تأثيرات الخروج سريعاً، حسبما أوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
بعد التخزين فى ديسمبر، تسببت عمليات فحص الجمارك والسلامة الإضافية التى تم تطبيقها بدءاً من 1 يناير فى تراجع التجارة بحدة فى الشهر الأول من العام قبل بدء التعافى مرة أخرى.
لكن بينما لا يوجد شك فى أن التجارة عانت من الخروج، فإن الصورة الكاملة تعتمد كلياً على الإحصائيات المستخدمة، فقد كانت صادرات المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبى أقل بنسبة %5 فى أبريل، مقارنة بشهر ديسمبر الماضى، بحسب مكتب الإحصاءات الوطنية البريطانى، لكنها انخفضت بنسبة %24 عند قياسها بواسطة المكتب الإحصائى الرسمى للاتحاد الأوروبى «يوروستات» خلال الفترة ذاتها.
دائماً ما يكون هناك اختلافات فى إحصاءات التجارة، لكن الاقتصاديون يقولون إن هذه الاختلافات متطرفة.
فقد أظهرت الأرقام المعادلة للواردات أن قيمة التجارة فى السلع القادمة من الاتحاد الأوروبى إلى المملكة المتحدة انخفضت بنسبة %19 خلال نفس الفترة، بحسب مكتب الإحصاء الوطنى، فى حين أن بيانات يوروستات أظهرت انخفاضاً بنسبة %13.
هذه الاختلافات التجارية مهمة، وفقاً لتوماس سيمبسون من كلية لندن للاقتصاد.
وأوضح سيمبسون: «إذا كانت بيانات مكتب الإحصاء الوطنى صحيحة، فإن الصادرات إلى الاتحاد الأوروبى سجلت أداء جيداً بشكل مدهش بعد التراجع المسجل فى يناير».
تستمر الوكالات الإحصائية فى الانشغال فى محاولات حل التناقضات، فقد استبعد مكتب الإحصاء الوطنى البريطانى نفسه الآن مسائل التعديل الموسمى والتجارة داخل الشركة باعتبارها سبباً فى هذه التناقضات، كما تشير الأرقام التفصيلية إلى أن الفروق تكمن فى الغالب فى تجارة السيارات والسلع المصنعة المتنوعة الأخرى.
عن ذلك، يقول مات هيوز، كبير الإحصائيين فى مكتب الإحصاء الوطنى: «ليست لدينا إجابات قاطعة، لكننا نبحث بشكل متزايد فى مسألة قياس المسافة مع بلد المنشأ مقابل البلد الذى تتجه إليه الشحنة».
وبموجب ترتيبات التجارة بعد الخروج، تقيس المملكة المتحدة الصادرات إلى الدولة التى يتم إرسالها إليها، بينما يسعى الاتحاد الأوروبى إلى تحديد التجارة مع البلد الذى نشأت فيه البضائع أو وجهتها النهائية.
هذا يعنى أن السيارة التى تُصدر من المملكة المتحدة إلى مدينة روتردام الهولندية، ثم يتم شحنها بعد ذلك إلى بلد خارج الاتحاد الأوروبى سيتم اعتبارها تصديراً إلى الاتحاد الأوروبى فى إحصائيات مكتب الإحصاء الوطنى، لكن ليس استيراداً من المملكة المتحدة فى بيانات يوروستات.
حتى مع هذه الشكوك حول الأرقام التجارية، لايزال يصف جوليان جيسوب، الاقتصادى المستقل، نفسه بأنه «متفائل بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى».
ويقول جيسوب، إن الآثار الاقتصادية للقواعد الجديدة كانت سلبية حتى الآن، مضيفاً: «نعلم أن زيادة الحواجز التجارية ستقلل من حجم التجارة وهذا مؤكد بوضوح فى البيانات، لكن الضربة الأولية يبدو أنها تتلاشى».
فى الوقت نفسه، قال جوناثان بورتس، البروفيسور من كينجز كوليدج لندن، إن التوقعات الاقتصادية طويلة المدى تبدو دقيقة حتى الآن.
وأشار إلى أن الاقتصاديين يتوقعون تأثيراً تجارياً كبيراً بشكل معقول، لكن ليس شيئاً كارثياً وهذا ما يبدو أنه حدث.
ولايزال من السابق لأوانه تحديد التأثير طويل الأمد للخروج، لكن لا يوجد سبب واضح لتغيير تقديرات النموذج بناء على ما شهدته البلاد حتى الآن، حسبما أفاد بورتس.
كان التغيير الرئيسى الآخر حتى الآن هو حركة العمال، وسط القيود الجديدة التى تحد من حقوق مواطنى الاتحاد الأوروبى فى القدوم للمملكة المتحدة والعمل هناك، ما آثار مخاوف بشأن نقص العمالة.
بهذا الصدد، قال البروفيسور آلان مانينغ، الرئيس السابق لهيئة الهجرة الاستشارية، إن التقارير المنتشرة عن نقص العمالة نتجت عن مزيج الوباء والخروج، وحقيقة وجود اتجاهات مماثلة فى دول أخرى توضح أنه لم يكن مجرد تأثير الخروج، بل ثمة عوامل أخرى.
إذا كان الدليل على التأثير السلبى للخروج واضحاً، فإن فوائد الانفصال عن الكتلة أكثر صعوبة، فقد أعادت المملكة المتحدة الاتفاق بشأن العديد من الاتفاقيات التجارية مع الدول التى لديها بالفعل صفقات مع الاتحاد الأوروبى، كما أنها على وشك التوقيع مع دول أخرى مثل أستراليا.
يعتقد قلة من الاقتصاديين، أن هذه الخطوات من شأنها تعزيز اقتصاد البلاد مع تقييم الحكومة لتأثير صفقة أستراليا، التى تشير إلى مكاسب إجمالية قدرها %0.02 فقط على المدى الطويل.
مع ذلك، يأمل الاقتصادى المستقل جيسوب تحقيق مكاسب أخرى الآن بعد التخلص من حالة عدم اليقين المحيطة بالخروج.
وأوضح أن «طرح اللقاحات بشكل أسرع يشير إلى احتمالية ظهور مكاسب مستقبلية من استقلال الهيئات التنظيمية».