الجائحة تحول «طريق الحرير» إلى شريان تجارى بين الصين وأوروبا
ما بدأ كوسيلة نقل فى القرن الـ19 لتقديم منتجات مناسبة لهذا العصر، مثل توصيل أجهزة الكمبيوتر المحمولة المصنوعة فى الصين إلى الأسواق الأوروبية عبر القطارات، تطور إلى رابط شحن حيوى بين القارتين.
لقد أدت الاضطرابات الرئيسية فى سلاسل الخدمات اللوجستية البحرية والجوية، التى تسببت بها جائحة فيروس كورونا، إلى تسريع أهمية قطار الصين السريع كبديل أرخص وأسرع لشحن كل شىء، بداية من السيارات إلى السلع المنزلية، من الصين إلى أوروبا.
وأصبح خط السكك الحديدية، الذى بدأ تشغيله منذ نحو عقد زمنى، العمود الفقرى لمبادرة الحزام والطريق الصينية المتعلقة بتحسين البنية التحتية.
ومع ذلك، فإن العلاقات الباردة بين الصين وأوروبا بشأن شينجيانغ وغيرها من القضايا تلوح فى الأفق بشكل كبير على التجارة، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
بدأت شركة الخدمات اللوجستية الصينية «إس. إف هولدينجز» (SF Holding) فى تأجير طائرات شحن من اليابان لنقل قطع الغيار والأدوات المنزلية إلى وجهات مختلفة فى الصين.
وبمجرد وصول البضائع، يتم تحميلها على قطارات الشحن المتجهة إلى أوروبا عبر قطار الصين السريع.
اعتادت الشركة الصينية على الاعتماد على مشغلى الشحن الخارجيين للشحنات المتنقلة بين اليابان والصين.. لكنها قررت أنها بحاجة إلى رحلاتها الخاصة مع توقع زيادة الطلب.
لذلك فإنها تستأجر الآن ما بين رحلة واحدة وخمس رحلات أسبوعياً على أربعة مسارات، بما فى ذلك بين أوساكا ومدن شنتشن ووهان وتشانغشا الصينية.
أوضحت المجلة أن الجمع بين خدمة النقل الجوى والسكك الحديدية يشير إلى شحنات أسرع وأرخص.
فعادة ما يستغرق شحن البضائع من اليابان إلى أوروبا بحراً حوالى 40 يوماً، لكن نقلهم إلى تشانغشا أو شيان، ثم تحميلها على متن قطار الصين السريع يستغرق من 20 إلى 30 يوماً وأقل من نصف تكلفة الطيران.
ومن هذا المنطلق، تخطط شركة «إس. إف هولدينجز» للاستفادة بشكل أكبر من السكك الحديدية فى المستقبل.
فى الوقت نفسه، تستأجر شركة الخدمات اللوجستية العالمية اليابانية «نيبون إكسبرس» (Nippon Express) مساحة على قطار الصين السريع لنقل الأجهزة وقطع غيار السيارات وغيرها من المنتجات التى تصنعها الشركات اليابانية والأوروبية فى الصين إلى أوروبا.
بحلول نهاية مارس، تعتزم الشركة تقديم 25 طريقاً ملاحياً يستخدم خط السكك الحديدية، بما فى ذلك من مقاطعتى شاندونغ وغوانغدونغ، ارتفاعاً من 17 طريقاً فى الوقت الحالى ينبع من مقاطعتى جيانغسو وشانكسى.
وتستهدف «نيبون إكسبريس» تشغيل من شحنة إلى خمس شحنات منتظمة أسبوعياً إلى أوروبا، إلى وجهات مثل مدينتى دويسبورغ وهامبورغ فى ألمانيا. كما أنها أضافت سبعة مسارات جديدة إلى أوروبا عبر أوكرانيا وروسيا فى نهاية العام الماضى، وستنظر أيضاً فى إضافة المزيد من المسارات إذا لزم الأمر.
يأتى تركيز الشركات المتزايد على قطار الصين السريع وسط اضطراب عالمى فى سلاسل الخدمات اللوجستية. فقد ارتفع الطلب على البضائع فى الولايات المتحدة وأوروبا، إذ علق المستهلكون فى منازلهم بسبب الوباء، وبالتالى لجأوا إلى التسوق عبر الإنترنت.
وقفزت الشحنات السنوية للحاويات البحرية من آسيا إلى أوروبا بنسبة %71 فى فبراير إلى نحو 1.16 مليون حاوية بمقاس 20 قدماً، بحسب المركز البحرى اليابانى.
لكن الوباء أدى أيضاً إلى نقص فى عمال الموانئ، ما أدى بدوره إلى تأخير تفريغ البضائع.
بالإضافة إلى ذلك، تراجعت سعة الشحن الجوى على رحلات الركاب أيضاً، مع إلغاء العديد من الرحلات الجوية بسبب انخفاض الطلب الناتج عن تفشى الوباء.
وصلت أسعار الشحن البحرى من شنغهاى إلى أوروبا إلى 5887 دولاراً لكل حاوية بسعة 20 قدماً هذا الشهر، بزيادة قدرها %570 تقريباً على العام السابق، وهو أعلى رقم سُجل منذ أن بدأت بورصة شنغهاى للشحن فى تتبع البيانات فى عام 2009.
كما ارتفعت أسعار الشحن الجوى الفورى من هونج كونج إلى أوروبا بنسبة %60 تقريباً عن العام السابق فى يونيو.
فى مواجهة هذه التحديات، يتحول قطار الصين السريع بسرعة إلى شريان رئيسى للتجارة بين الصين وأوروبا. فقد شهد ممر الأتاو، الواقع على حدود منطقة شينجيانغ الصينية وكازاخستان، مؤخراً، مرور أكثر من 10 قطارات بشكل يومى، كما شهد مرور 1918 قطاراً يحمل ما مجموعه أكثر من 10 مليارات دولار من البضائع فى الفترة من يناير إلى أبريل.
وارتفعت حركة المرور عبر خط السكة الحديد بأكمله بنسبة %75 على مدار العام إلى 3398 قطاراً فى الفترة من يناير إلى مارس، بعد أن تجاوزت الرقم القياسى السنوى فى عام 2020، وفقاً لمجموعة سكة حديد الصين الحكومية.
بدأت الخدمة على خط السكك الحديدية الصينى السريع فى مارس 2011 كجزء من جهود بو شيلاى، سكرتير الحزب فى تشونغتشينغ ومنافس الرئيس الصينى شى جين بينغ.
وبعد سقوط بو من السلطة، وضع شى خط السكك الحديدية الصينية السريع كمكون أساسى فى مبادرة الحزام والطريق فى عام 2013.
وينقل خط السكة الحديد الآن البضائع من أكثر من 50 مدينة فى جميع أنحاء الصين، بما فى ذلك ثلاثة محاور رئيسية فى تشونغتشينغ وتشنغدو وشيان، إلى ما يقرب من 150 مدينة فى 22 دولة أوروبية.
وبفضل المسارات الجديدة والإجراءات الجمركية الأقصر، تستغرق الشحنات من تشونغتشينغ إلى ألمانيا من 12 إلى 13 يوماً بدلاً من 16 يوماً.
لقد أصبحت السكك الحديدية أيضاً مكوناً رئيسياً بالنسبة للعديد من استراتيجيات الشركات الصينية.
وفى يناير، أصبحت «ميديا جروب» (Midea Group) أول شركة صينية لتصنيع الأجهزة تبدأ تشغيل قطارها الخاص على الخط الذى يبدأ من قوانغدونغ لتصدير الغلايات وغسالات الصحون.
وذكرت وسائل الإعلام الصينية أن شركة تصنيع التلفزيون «تى سى إل» (TCL) تعمل على توسيع مصنعها فى تشنغدو، وهى نقطة توقف على السكك الحديدية.
ومع ذلك، فإن العلاقات المتغيرة للصين مع أوروبا تلوح فى الأفق بشدة بشأن مثل هذه الخطط، حيث يشعر الاتحاد الأوروبى بقلق متزايد من الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان ضد أقلية الأويغور فى الصين، والتى تأتى ضمن قضايا أخرى، كما أنه علق عملية التصديق على معاهدة الاستثمار مع الصين. كما أن التوترات التى طال أمدها يمكن أن تؤثر على التجارة بين الجانبين.