أثر المخاطر الراهنة في ظل أزمة كورونا على الموازنات العامة للدول
الإثنين 5 أكتوبر 2020
تأثرت العديد من الحكومات خلال الفترة الماضية نتيجة للأزمة التي يعاني منها العالم أجمع من انتشار فيروس كورونا المستجد، إذ شهدت انخفاضًا في إيراداتها وارتفاعًا في نفقاتها، إضافة إلى احتمالية ظهور مزيد من الالتزامات المالية، وقد سعت الحكومات بشكل سريع للتعامل مع أزمة فيروس كورونا عن طريق تطبيق مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية سواء المالية أو النقدية استجابة للظروف الراهنة، والتي قد تتسبب في ظهور مخاطر مالية أخرى.
وعندما تزداد المخاطر المالية يتطلب من الحكومات التعرف والتفهم بشكل رئيسي على أثر تلك المخاطر على مراكزها المالية، ويجب أن تتوجه الحكومات والبنوك المركزية إلى توسيع دائرة تقييم المخاطر بما فيها التدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية الكلية، والتراجع الشديد في أسعار السلع الأولية وانخفاض أداء وأسعار العملات، واتساع فروق أسعار الفائدة على سنداتها، والمساعدات الموجهة لإنقاذ المؤسسات العامة (كقطاع الطيران) والخاصة (كقطاع السياحة) وبشكل رئيسي القطاعات الأكثر تاثرًا.
وأدت المخاطر المالية خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 إلى زيادة الدين العام بأغلب الاقتصاديات المتضررة من تلك الأزمة بمتوسط 26% من إجمالي الناتج المحلي طبقًا لتقرير دائرة الشؤون المالية بصندوق النقد الدولي، وبالنظر لأزمة فيروس كورونا والتي أصابت العالم بحالة من الركود وحالة من عدم اليقين في حجم وطبيعة الآثار والمخاطر الناتجة عنها، فيجب على الحكومات والبنوك المركزية أن تستمر في دراسة الآثار الناتجة عن تغير الأوضاع الاقتصادية الكلية والمالية المختلفة على موازناتها، وذلك لتحديد الالتزامات الرئيسية المحتملة وقياسها بشكل عملي واحتماليات حدوثها على أرض الواقع وبشكل رئيسي على البنود الكبيرة كالفوائد والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية والأجور والتعويضات والسلع والخدمات والإيرادات الضريبية.
وتؤثر الإجراءات التي طبقتها الحكومات والبنوك المركزية لمواجهة التحديات المالية والصحية والاجتماعية التي فرضها فيروس كورونا بشكل مباشر على الموارد العامة للدولة، والتي تظهر عن طريق ارتفاع عجز المالية العامة، والبعض الآخر لن يؤثر على عجز الميزانية العامة، إضافة لإجراءات قد تعرض موارد الدولة لمخاطر متوسطة وطويلة الأجل (الالتزامات المحتملة / الاحتمالية).
ومن أبرز الإجراءات التي تقوم بها الدول من داخل الموازنة العامة للدولة الإنفاق على الخدمات الصحية وإعانات البطالة كما حدث في مصر، ودعم الأجور وتخفيض الضرائب أو تخفيفها أو تأجيلها، والتي تنعكس تكلفتها الكاملة على رصيد المالية العامة ودين الحكومة ما لم تكن تقابلها إجراءات تعويضية مثل إعادة ترتيب أولويات النفقات.
أما بالنسبة للإجراءات خارج الموازنة العامة تتمثل في تقديم قروض للشركات والأسر وتأجيل سداد الاستحقاقات الائتمانية لهم لمعالجة نقص السيولة عن طريق البنوك المركزية أو الحكومات كما حدث في الولايات المتحدة الامريكية والنرويج وتايلاند، وقد يكون لها تأثيرًا طفيفًا أو ليس لها تأثيرًا مطلقًا على عجز المالية العامة في البداية لكنها قد ترفع الدين.
كما يمكن ضخ رأس مال سهمي في المؤسسات العامة المالية وغير المالية لتوفير السيولة أو دعم طويل الأجل كألمانيا وكوريا الجنوبية وتشيلي، كما أنشأت فرنسا (صندوق التضامن الفرنسي) خارج الموازنة لتقديم أو توجيه المساعدة بدلًا من تقديم دعم مباشر للموازنة.
ويتطلب الأمر للحد من انتشار المخاطر الناتجة عن الأزمة الحالية ومن سلسلة الإجراءات التي تقوم بها الدول والبنوك المركزية العمل على وضع آلية رقابة تشمل على ما يلي:
- دراسة ومتابعة احتمالية تحقق المخاطر كلما توافرت معلومات جديدة.
- دراسة مدى ملائمة السياسات المطبقة الحالية للظروف الراهنة.
- كفاية الإجراءات المعمول بها لتخفيف الآثار السلبية للمخاطر.
- متابعة المخصصات الموجهة من الدول للتأكد من سلامة وصحة إدارتها والصرف منها.
وسنسعى في المقال المقبل لعرض مقارن للإجراءات والتدابير المطبقة من الدول العربية عن طريق السياسات المالية والنقدية للحد من المخاطر الناتجة عن الأزمة الحالية وطبيعة هذه المخاطر وأسبابها.