«كورونا» يغير مفهوم التسوق والسفر والعمل لسنوات
الاقتصاد العالمى يتأثر بحالات الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة
المصنعون الدوليون اضطروا لإعادة التفكير فى مكان شراء السلع والإنتاج
عادة ما تترك كل صدمة اقتصادية، إرثاً ورائها، ويبدو أن اﻷمر سيسير بنفس الطريقة مع تفشى فيروس كورونا المميت (كوفيد-19)، وحفز الكساد الكبير، السلوك المضاد للهدر، والذى ساهم بدوره فى تحديد أنماط المستهلكين لعقود زمنية، وساهمت الأزمة المالية الآسيوية، فى ادخار المنطقة لأكبر مجموعة من العملات الأجنبية فى العالم، كما أن الأزمة المالية العالمية أججت الغضب تجاه الحكومات الديمقراطية المتقدمة التى ظلت مترددة فى تعويض العمال، ممن تقاضوا أجور زهيدة فى العقد اﻷخير، أما الآن، فقد أصبح اﻷمر يتعلق بحالة طوارئ صحية عامة تؤثر على الاقتصاد العالمى.
فى غضون أسابيع فقط، اعتاد عامة الناس فى المناطق المتضررة على ارتداء الأقنعة وتخزين اﻷشياء الضرورية، وإلغاء التجمعات الاجتماعية والتجارية، وإلغاء خطط السفر والعمل من المنزل، حتى أن الدول التى تمتلك حالات إصابة قليلة نسبياً تتخذ العديد من تلك الاحتياطات.
وقالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إن آثار هذه العادات ستستمر فترة طويلة حتى بعد تخفيف مستوى الحجر الصحى، كما أنها ستؤثر بشكل كبير على الطلب، وفيما يخص العرض، يضطر المصنعون الدوليون إلى إعادة التفكير فى مكان شراء سلعهم وإنتاجها، مما يسرع التحول بعد أن كشفت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين عن مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للمكونات.
وقالت كارين هاريس، المديرة الإدارية لشركة «ماكرو تريندز جروب» فى نيويورك، إنه من المرجح أن يلتزم العمال بمجرد وضع سياسات فعالة للعمل من المنزل، وأفادت «بلومبرج»، بأن الجامعات، التى عانت من حظر السفر، ستنوع قاعدة طلابها الأجانب، كما أن المدارس ستحتاج إلى الاستعداد بشكل أفضل لمواصلة التعليم عبر الإنترنت عندما يتسبب أى فيروس أو وباء فى إغلاقها.
وفى الوقت نفسه، يتأثر قطاع السياحة بشكل أكثر قسوة، إذ تعانى الرحلات الجوية والرحلات البحرية والفنادق وشبكة الشركات التى تتغذى على القطاع، فى ظل تفشى هذا الوباء العالمى.
وفى الوقت الذى يحرص فيه السياح بلا شك على استكشاف العالم والاسترخاء على الشاطئ مرة أخرى، فإن اﻷمر قد يستغرق بعض الوقت قبل أن تتعافى الصناعة التى توظف شخصاً تقريباً من كل 10 أشخاص.
وساهم تفشى الفيروس فى تحويل نظرة السياسة الاقتصادية، بشكل سريع وخلق أولويات جديدة، كما أن البنوك المركزية دخلت فى حالة طوارئ مرة أخرى، فى حين أن الحكومات تبحث بشكل أعمق، عن الأموال اللازمة لدعم القطاعات المتعثرة.
وأشارت «بلومبرج» إلى أن النظافة الشخصية أضيفت إلى جداول الأعمال الحكومية والشركات، موضحة أن سنغافورة تخطط بالفعل لإدخال معايير وقواعد إلزامية، خاصة بالنظافة الشخصية، وقال المسئول عن السياسة النقدية فى البنك المركزى اليابانى، كازو موما، إن فيروس (كوفيد-19)، غير مسبوق من حيث طبيعة عدم اليقين وما يرتبط به من تأثير اجتماعى واقتصادى.
وأوضح أن الضوابط الحدودية الأكثر صرامة، والتغطية التأمينية واسعة النطاق، والتغييرات الدائمة على أنماط العمل ووسائل النقل، ستكون مجرد تغييرات اقتصادية صغيرة ستدوم لفترة طويلة بعد الفيروس.
وفى الصين، التى اندلع فيها الفيروس للمرة اﻷولى فى مدينة ووهان نهاية العام الماضى، فرضت الهيئة التشريعية العليا، حظراً تاماً على تجارة واستهلاك الحيوانات البرية، وسط تحذيرات العلماء التى تفيد بانتقال فيروس كورونا من الحيوانات إلى البشر، ومن المتوقع أن تسرع قواعد النظافة الشخصية الصارمة الإضافية، عملية دفع المستهلكين القلقين إلى التسوق عبر الإنترنت، على غرار تغيير انتشار «السارس» فى عام 2003 لعادات التسوق، حيث تجنب السكان المراكز التجارية.
ووجد تحليل أجرته شركة الاستشارات اﻷمريكية «باين آند كومبانى»، أن الصين ستشهد تغييرات فورية واضحة فى شئون الرعاية الصحية، إذ تجرى مزيداً من الفحوصات والمعاملات الأولية من خلال قنوات تعمل عبر شبكات الإنترنت لتجنب خطر التلوث فى غرف الانتظار والعنابر المزدحمة.
وربما تنفق الحكومات أكثر بكثير على الرعاية الصحية لتجنب التكلفة الهائلة الarabtopforex.comة بتفشى الأوبئة، وفقاً لبحث حديث حول التأثير الاقتصادى الكلى للفيروس الذى نشرته مؤسسة «بروكينجز» الفكرية اﻷمريكية وشارك فى تأليفه وارويك ماكبين وروشين فرناندو من جامعة أستراليا الوطنية.
وقال ماكبين (الذى شارك فى تأليف بحث سابق قدر أن تفشى السارس قضى على 40 مليار دولار من الاقتصاد العالمى) إن المجتمع الدولى كان يتعين عليه استثمار المزيد فى مجال الوقاية فى الدول الفقيرة.
وأوضح إدموند فيلبس، الاقتصادى فى جامعة كولومبيا والحائز على جائزة نوبل، أن هناك جزءاً كبيراً من الاضطراب سيعود إلى وضعه الطبيعى بمجرد احتواء تفشى الوباء، معتقداً أن معظم الشركات وبالتأكيد العمالقة فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى، لن تفشل فى العودة إلى ممارساتها العادية مرة أخرى.
وأفاد اقتصاديون، ومنهم الزميل الأول فى كلية كينيدى بجامعة هارفارد، بول شيرد، إنه ليس من المؤكد شكل الإرث الذى ستخلفه هذه اﻷزمة، خصوصاً أنه ليس هناك أوجه تشابه بين صدمتين اقتصاديتين.
عادة ما يعتمد المستشار السابق لرئيس الوزراء الإيطالى، فابريزيو باجانى، على الصدمات السابقة للاسترشاد، فقال إن صدمة إمدادات البترول فى السبعينيات أدت إلى الجهود الأولى للحفاظ على الطاقة وكفاءتها، مضيفاً أن صدمة الطلب التى حددتها الأزمة المالية الكبرى كانت هى الأساس المنطقى لإطار تنظيمى جديد وجذرى للغاية عبر القطاعين المصرفى والمالى.
ولكن باجانى، يتوقع هذه المرة تغييرات جذرية فى كل شىء بداية من التعليم عبر الإنترنت والتعلم عن بعد، وحتى الاستراتيجية الصناعية مع إعادة صياغة نماذج الأعمال الحالية، وقال مايكل مورفى، من كلية دارلا مور لإدارة الأعمال بجامعة ساوث كارولينا، إن نقاط الالتقاء الثلاثية بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والآن تفشى «كوفيد-19» ، قد تؤدى إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد الصناعية على مستوى العالم.
وفى الوقت نفسه، أكدت خبيرة أسواق المال والتنظيم فى جامعة كولومبيا، كاثرين جادج، أن اﻷزمة الحالية ستترك أثراً أيضاً، فالانهيار المصرفى فى الولايات المتحدة عام 2008 ترك ندوباً عميقة من خلال تأجيج السياسات المثيرة للانقسام وانخفاض مستويات ملكية المنازل.